مَكَانَة المجد بن تيمية - رحمه الله - العِلْمَيَّةِ وَثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ :
كَانَ لِنُبوغِ المـَجدِ ابنِ تَيْمِيَّةَ
المـُبَكرِ أثرًا بَالِغًا فِي بُرُوزِهِ فِي سَائِرِ عُلومِ الشَّرِيعَةِ، بَلغَ
فِيهَا مَبْلَغًا عَظِيمًا، وَشَأنًا رَفِيعًا، انْتَزعَ الثَّنَاءَ مِنْ أقْرَانِهِ
ومِنْ أهْلِ العِلْمِ بَعدَهُ، لِمَـا يَتَمَيَّزُ بهِ مِنْ الفَهْمِ والحَفْظِ
والاتْقَانِ، وقُوَّةِ الحُجَّةِ وسِحْرِ البَيَانِ، حَتى أطْلَقَ أهْلُ العِلْمِ
ألْسِنَتَهُمْ بِالثَّنَاءِ عَلَيَّهِ، مُشِيدِينَ بِما لَهُ مِنْ المـَنْزِلَةِ
والفَضْلِ بَينَ أهْلِ العِلْمِ والنُبْلِ.
مِنْ ذَلكَ قولُ ابنِ رَجبٍ :
عن الإمَامِ الذَّهَبيِّ([1]) :: (
كَانَ الشيخُ مَجدُ الدِّينِ مَعْدُومَ النَّظِيرِ فِي زَمَانِهِ، رَأسًا فِي الفِقْهِ
وأصُولِهِ، بَارعًا فِي الحَدِيثِ ومَعَانِيهِ،ِ لهُ اليَدُ الطُّولى فِي مَعْرِفَةِ
القُرْآنِ والتَّفْسِيرِ، وصَنَّفَ التَّصَانَيفَ، واشْتَهرَ اسْمُهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ،
وكَانَ فَرْدَ زَمَانِهِ فِي مَعْرِفَةِ المـَذْهَبِ، مَفْرَطَ الذَّكَاءِ، مَتِينَ
الدِّيَانَةِ، كَبِيرَ الشَّأنِ )([2])
.
وقَالَ الذَّهَبيُّ
-أيْضًا-: ( تَفَقَّهَ، وَبَرَعَ، وَاشْتَغَل، وَصَنَّفَ
التَّصَانِيْفَ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الإِمَامَةُ فِي الفِقْهِ، وَكَانَ يَدْرِي
القِرَاءاتِ، وَصَنَّفَ فِيْهَا أُرْجُوزَةً )([3]).
ونَقَلَ الذَّهَبيُّ عَنْ حَفِيدِهِ -شَيخِ
الإسْلامِ ابْنِ
تَيْمِيَّةَ :- قَوْلَهُ:
( كَانَ جَدُّنَا عَجَبًا فِي سَرْدِ المـُتُونِ، وحِفْظِ مَذَاهِبِ النَّاسِ،
وإيرَادِها بِلا كَلَفَةٍ )(3).
وقَالَ جَمالِ
الدِّينِ ابنُ مَالِكٍ([4])
:: ( أُلِينَ
للشَّيخِ المجدِ الفِقَهَ كَمَا أُلِينَ لِدَاودَ الحَدِيدَ
)([5]).
وقَالَ العَّلامَةُ ابنُ حَمْدَانَ([6])
::
( كُنْتُ أطَالِعُ عَلَى دَرْسِ الشيخِ
ومَا أبْقَي مُمْكِنًا، فَإذَا أصْبَحْتُ وحَضَرْتُ ينقلُ أشياءَ كثيرةً لم أعْرِفْها
)([7]).
ولَقدْ كَانَ مِنْ أمْرِ الشِّيخِ مَجدِ
الدِّينِ ابنِ تَيْمِيَّة : عَجَبًا لِطُلابِ
العِلمِ فِي حِرْصِهِ عَلى العِلْمِ وفِي حِفْظِهِ لِلوَقْتِ،
مِنْ ذَلِكَ قولُ الإمامِ ابنِ القَيَّمِ([8]) : ( ... كَانَ المـَجدُ إذا دَخَلَ الخَلاءَ
يَقُولُ لِي: اقْرَأ فِي هَذا الكِتَابِ، وارْفَعَ صَوْتَكَ حتَّى أسْمعَ، قُلتُ: يُشِيرُ بِذلكَ إِلى
قُوَّةِ حَرْصِهِ عَلى العِلْمِ وحُصُولِهِ، وحِفْظِهِ لِأوْقَاتِهِ )([9]).
وغيرُ هَذهِ النُّقُولاتِ في ثَنَاءِ
العُلَماءِ عَلى المجْدِ ابنِ تَيْميَّةَ والتِي تُبَيِّنُ لنَا مَكَانَتَهُ العِلْمِيَّة
كَثيرٌ جِدًا، لا يَتَّسِعُ المقَامُ لِسَرْدِها وذِكْرِها، وَحَسْبُكَ مِنْها مَا
ذَكَرْنَاهُ، واللهُ تَبَاركَ وتَعَالى أَجَلُّ واعْلَمُ.
([1]) هُوَ: مُحَمَّدٌ
بنُ أَحْمدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ قايماز، شمسُ الدِّينِ، أَبُو عَبدِ اللهِ
الذَّهَبِيُّ الْحَافِظُ، وُلِدَ سَنَةَ 673 وَتُوُفِيَ سَنَةَ 748 ه،
تَصَانِيفُهُ كَثِيرَةٌ مِنْها: "تَارِيخُ
الإسْلَامِ"، و"سِيرُ أعْلَامِ النُّبَلاءِ". انظر
تَرَجَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي: معجم المحدثين (97) مع: فوات الوفيات (3/315).
([4]) هُوَ جمالُ
الدّينِ: محمدٌ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكٍ الجَيانِيُّ، إمَامُ
النُّحَاةِ وحَافِظُ اللُّغَةِ، صَاحِبُ
التَّصَانِيفِ المشْهُورَةِ; مِنْها: "الألْفِيَّةُ" فِي النَّحْوِ، و"الكَّافِيَةُ
الشَّافِيَةُ"، وُلِدَ سَنَةَ 600 ه، وتُوفِيَ سَنَةَ 672 ه. انظر: بغية الوعاة في طبقات
اللغويين والنحاة للسيوطي (1/130).
([6])
هُوَ
نجمُ الدِّينِ: أَحْمَدُ بْنُ حمَدْانَ
بْنِ شَبِيبٍ بْنِ حَمْدَانَ النُّمَريُّ الحَرَّانِيُّ الحَنْبَلِيُّ، الفَقِيهُ
الأُصُولِيُّ، وُلِدَ وَنَشَأ بِحَرانَ سَنَةَ 603 ه، وَرَحَلَ إلى حَلَبَ وَدِمَشْقَ،
وَوَلِيَ نِيَابَةَ القَضَاءِ فِي القَاهِرَةِ، فَسَكَنَهَا وَأسَنَّ وَكُفَّ بَصَرُهُ
وَتُوفِيَ بِها سَنَةَ 695 هـ،
صَنَّفَ تَصْنِيفَاتٍ كَثِيرةً؛ مِنْها: "الرعاية الصغرى"
فِي الفقه، و"الرعاية الكبرى". انظر: ذيل طبقات الحنابلة (4/266).
([8]) هُوَ: شمسُ الدِّينِ أبُو
عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدٌ بنِ أبِي بَكْرٍ بنِ أيوبَ بنِ سَعْدٍ الزّرعيُّ ثم الدِّمَشْقِيُّ
الفَقِيهُ الحَنْبَلِيُّ، الشَّهِيرُ بِابنِ قَيمِ الجَوْزِيَّةِ، وُلِدَ سَنَةَ 691 ه، وتُوفِيَ سَنَةَ 751 ه، مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ: "إعْلَامُ المـُـوَقِّعِينَ عَنْ رَبِّ العَالَمِينَ".
انظر ترجمته في: ذيل طبقات الحنابلة (5/170)، والوافي بالوفيات (2/192)، وشذرات
الذهب (8/287).