تعديل

السبت، 18 أبريل 2020


الأعرابي وفحول الشعر
أتى أعرابي عبد الملك بن مروان، فمدحه فأحسن المدحة، فأعجب به عبد الملك فقال له: من أنت يا أعرابي؟ قال: رجل من عذرة.
قال: أولئك أفصح الناس. هل تعرف أهجا بيت في الإسلام؟ قال: قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير - فلا كعباً بلغت ولا كلابا

فقال عبد الملك: أحسنت، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا - وأندى العالمين بطون راح

قال عبد الملك: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض - قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به - وهن أضعف خلق الله أركانا

قال: أحسنت يا أعرابي، فهل تعرف جريراً؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق، قال: فهذا جرير، وهذا الأخطل، وهذا الفرزدق، فأنشأ الأعرابي يقول:

فحيا الإله أبا حزرة  - وأرغم أنفك يا أخطل

وجد الفرزدق أتعس به  -  ودق خياشيمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
قد أرغم الله أنفاً أنت حامله - يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل

ما أنت بالحكم المرضى حكومته - ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل


ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت ساق على قدم - ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا - في معشر أنت منهم إنهم سفل

فقام جرير مغضباً وهو يقول: 

شتمتما قائلاً بالحق مهتدياً - عند الخليفة والأقوال تنتضل

أتشتمان سفاهاً خيركم حسباً - ففيكما وإلهي الزور والخطل 

شتمتماه على رفعي ووضعكما - لا زلتما في انحطاط أيها السفل

قال: ثم وثب فقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين، جائزتي له. قال: وكانت جائزة جرير خمسة عشر ألفاً كل سنة. فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي. فقبضها وخرج([1]).





([1]) انظر: مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر  (6/41-43).